سورة هود - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (هود)


        


قوله تعالى: {واصنع الفلك} أي: واعمل السفينة.
وفي قوله: {بأعيننا} ثلاثة أقوال:
أحدها: بمرأىً منا، قاله ابن عباس.
والثاني: بحفظنا، قاله الربيع.
والثالث: بعلمنا، قاله مقاتل. قال ابن الأنباري: إِنما جمع على مذهب العرب في إِيقاعها الجمع على الواحد، تقول: خرجنا إِلى البصرة في السفن، وإِنما جمع، لأن من عادة الملك أن يقول: أمرنا ونهينا.
وفي قوله: {ووحينا} قولان:
أحدهما: وأمرنا لك أن تصنعها.
والثاني: وبتعليمنا إِياك كيف تصنعها.
قوله تعالى: {ولاتخاطبني في الذين ظلموا} فيه قولان:
أحدهما: لاتسألني الصفح عنهم.
والثاني: لاتخاطبني في إِمهالهم.
وإِنما نهي عن الخطاب في ذلك صيانة له عن سؤال لايجاب فيه.
الإِشارة إِلى كيفية عمل السفينة.
روى الضحاك عن ابن عباس: قال كان نوح يُضرب ثم يُلفُّ في لِبْدٍ فيُلقى في بيته، يُرَوْن أنه قد مات، ثم يخرج فيدعوهم. حتى إِذا يئس من إِيمان قومه، جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكأ على عصاً، فقال: يا بني، انظر هذا الشيخ لايغررك، قال: ياأبت أمكني من العصا، فأخذها فضربه ضربةً شجه مُوْضِحَةً، وسالت الدماء على وجهه، فقال رب قد ترى مايفعل بي عبادك، فان يكن لك فيهم حاجة فاهدهم، وإِلا فصبِّرني إِلى أن تحكم، فأوحى الله إِليه {أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن} إِلى قوله: {واصنع الفلك}، قال: يارب، وما الفلك؟ قال: بيت من خشب يجري على وجه الماء أُنجّي فيه أهل طاعتي، وأُغْرِق أهل معصيتي، قال: يارب، وأين الماء؟ قال: إِني على ما أشاء قدير، قال: يارب، وأين الخشب؟ قال: اغرس الشجر، فغرس الساج عشرين سنة، وكفّ عن دعائهم، وكفُّوا عنه، إِلا أنهم يستهزئون به، فلما أدرك الشجر، أمره ربه، فقطعه وجفَّفَه ولفَّقَه، فقال: يارب، كيف أتخذ هذا البيت؟ قال: أجعله على ثلاث صور، رأسه كرأس الطاووس، وجؤجؤه كجؤجؤ الطائر، وذنبه كذنب الديك، واجعلها مطبقة، وبعث الله إِليه جبريل يعلمه، وأوحى الله إِليه أن عجِّل عمل السفينة فقد اشتد غضبي على مَنْ عصاني، فاستأجر نجارين يعملون معه، وسام، وحام، ويافث، معه ينحتون السفينة، فجعل طولها ستمائة ذراع، وعرضها ثلاثمائة وثلاثين ذراعاً، وعلوها ثلاثاً وثلاثين، وفجَّرَ الله له عين القار تغلي غلياناً حتى طلاها.
وعن ابن عباس قال: جعل لها ثلاث بطون، فحمل في البطن الأول الوحوش والسباع والهوام، وفي الأوسط الدواب والأنعام، وركب هو ومن معه البطن الأعلى.
وروي عن الحسن أنه قال: كانت سفينة نوح طولها ألف ذراع، ومائتا ذراع، وعرضها ستمائة ذراع.
وقال قتادة: كانت فيما ذُكر لنا طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسمائة ذراع، وطولها في السماء ثلاثون ذراعاً.
وقال ابن جريج: كان طولها ثلاثمائة ذراع، وعرضها خمسين ومائة ذراع، وطولها في السماء ثلاثون ذراع، وكان في أعلاها الطير، وفي وسطها الناس، وفي أسفلها السباع.
وزعم مقاتل أنه عمل السفينة في أربعمائة سنة.
قوله تعالى: {وكلمَّا مر عليه ملأ من قومه سخروا منه} فيه قولان:
أحدهما: أنهم رأوه يبني السفينة وما رأوا سفينة قط، فكانوا يسخرون ويقولون: صرت بعد النبوَّة نجاراً؟ وهذا قول ابن إِسحاق.
والثاني: أنهم قالوا له: ما تصنع؟ فقال: أبني بيتا يمشي على الماء، فسخروا من قوله، وهذا قول مقاتل.
وفي قوله: {إِن تسخروا منا فانا نسخر منكم} خمسة أقوال.
أحدها: إِن تسخروا من قولنا فانا نسخر من غفلتكم.
والثاني: إِن تسخروا من فعلنا عند بناء السفينة، فانا نسخر منكم عند الغرق، ذكره المفسرون.
والثالث: إِن تسخروا منا في الدنيا، فانا نسخر منكم في الآخرة، قاله ابن جرير.
والرابع: إِن تستجهلونا، فانا نستجهلكم، قاله الزجاج.
والخامس: إِن تسخروا منا، فانا نستنصر الله عليكم، فسمى هذا سخرية، ليتفق اللفظان كما بينا في قوله: {الله يستهزئ بهم} [البقرة: 15]، هذا قول ابن الأنباري.
قال ابن عباس: لم يكن في الأرض قبل الطوفان نهر ولا بحر، فلذلك سخروا منه، وإِنما مياه البحار بقية الطوفان.


قوله تعالى: {فسوف تعلمون} هذا وعيد، ومعناه: فسوف تعلمون من هو أحق بالسخرية، ومن هو أحمد عاقبة.
قوله تعالى: {من يأتيه عذاب يخزيه} أي: يُذلُّه، وهو الغرق. {ويحل عليه} أي: ويجب عليه {عذاب مقيم} في الآخرة.


قوله تعالى: {حتى إِذا جاء أمرنا} فيه قولان:
أحدهما: جاء أمرنا بعذابهم وإِهلاكهم.
والثاني: جاء عذابنا وهو الماء، ابتدأ بجنبات الأرض فدار حولها كالإِكليل، وجعل المطر ينزل من السماء كأفواه القرب، فجعلت الوحوش يطلبن وسط الأرض هربا من الماء حتى اجتمعن عند السفينة، فحينئذ حمل فيها من كل زوجين اثنين. قوله تعالى: {وفار التَنُّورُ} الفور: الغليان؛ والفوَّارة: ما يفور من القِدْر، قاله ابن فارس.
قال المصنف: وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن دريد قال: التنور اسم فارسي معرَّب لا تعرف له العرب اسماً غير هذا، فلذلك جاء في التنزيل، لأنهم خوطبوا بما عرفوا.
وروي عن ابن عباس أنه قال: التنور، بكل لسان عربي وعجمي.
وفي المراد بهذا التنور ستة أقوال:
أحدها: أنه اسم لوجه الأرض، رواه عكرمة عن علي عليه السلام. وروى الضحاك عن ابن عباس: التنور: وجه الأرض، قال: قيل له: إِذا رأيت الماءَ قد علا وجهَ الأرض، فاركب أنت وأصحابك، وهذا قول عكرمة، والزهري.
والثاني: أنه تنوير الصبح، رواه أبو جحيفة عن علي رضي الله عنه. وقال ابن قتيبه: التنوير عند الصلاة.
والثالث: أنه طلوع الفجر، روي عن علي أيضا، قال: {وفار التنور} طلع الفجر.
والرابع: أنه طلوع الشمس، وهو منقول عن علي أيضا.
والخامس: أنه تنُّور أهله، روى العوفي عن ابن عباس قال: إِذا رأيت تنُّور أهلك يخرج منه الماء، فانه هلاك قومك. وروى أبو صالح عن ابن عباس: أنه تنُّور آدم عليه السلام، وهبه الله لنوح، وقيل له: إِذا فار الماء منه، فاحمل ماأُمرتَ به. وقال الحسن: كان تنوراً من حجارة، وهذا قول مجاهد، والفراء، ومقاتل.
والسادس: أنه أعلى الأرض وأشرفها.
قال ابن الأنباري: شُبهت أعالي الأرض وأماكنها المرتفعة لعلوها، بالتنانير. واختلفوا في المكان الذي فار منه التنور على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه فار من مسجد الكوفة، رواه حبة العربي عن علي عليه السلام. وقال زِرُّ بن حُبَيش: فار التنور من زاوية مسجد الكوفة اليمنى. وقال مجاهد: نبع الماء من التنور، فعلمت به امرأته فأخبرته، وكان ذلك بناحية الكوفة. وكان الشعبي يحلف بالله ما كان التنور إِلا بناحية الكوفة.
والثاني: أنه فار بالهند، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثالث: أنه كان في أقصى دار نوح، وكانت بالشام في مكان يقال له: عين وردة، قاله مقاتل.
قوله تعالى: {قلنا احمل فيها} أي: في السفينة {من كل زوجين اثنين}.
وروى حفص عن عاصم: {من كُلٍّ} بالتنوين. قال أبو علي: والمعنى: من كل شيء، ومن كل زوج زوجين، فحذف المضاف. وانتصاب {اثنين} على أنهما صفة لزوجين، وقد علم أن الزوجين اثنان، ولكنه توكيد.
قال مجاهد: من كل صنف، ذكراً وأنثى. وقال ابن قتيبة: الزوج يكون واحداً، ويكون اثنين، وهو هاهنا واحد، ومعنى الآية: احمل من كل ذكر وأنثى اثنين. وقال الزجاج: المعنى: احمل زوجين اثنين من كل شئ، والزوج في كلام العرب يجوز أن يكون معه واحد، والاثنان يقال لهما: زوجان، يقال: عندي زوجان من الطير، إِنما يريد ذكراً وأنثى فقط. وقال ابن الأنباري: إِنما قال {اثنين} فثنَّى الزوج، لأنه قصد قصْد الذكر والأنثى من الحيوان، وتقديره: من كل ذكر وأنثى.
قوله تعالى: {وأهلك} أي: وأحمل أهلك. قال المفسرون: أراد بأهله: عياله وولده.
{إلا من سبق عليه القول} أي: سبق عليه القول من الله بالإِهلاك. قال الضحاك: وهم امرأته وابنه كنعان.
قوله تعالى: {ومن آمن} معناه: واحمل من آمن.
{وما آمن معه إِلا قليل} وفي عددهم ثمانية أقوال:
أحدها: أنهم كانوا ثمانين رجلاً معهم أهلوهم، رواه عكرمة عن ابن عباس.
والثاني: أن نوحاً حمل معه ثمانين إِنساناً، وبنيه الثلاثة، وثلاث نسوة لبنيه، وامرأة نوح، رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس.
والثالث: كانوا ثمانين إِنساناً، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال مقاتل كانوا أربعين رجلاً وأربعين امرأة.
والرابع: كانوا أربعين، ذكره ابن جريج عن ابن عباس.
والخامس: كانوا ثلاثين رجلاً، رواه أبو نهيك عن ابن عباس.
والسادس: كانوا ثمانية، قال الحكم بن عتيبة: كان نوح وثلاثة بنيه وأربع كنائنه. قال قتادة: ذُكر لنا أنه لم ينج في السفينة إِلا نوح وامرأته وثلاثة بنين له، ونساؤهم، فجماعتهم ثمانية، وهذا قول القرظي، وابن جريج.
والسابع: كانوا سبعة، نوح، وثلاث كنائن له وثلاثة بنين، قاله الأعمش.
والثامن: كانوا عشرة سوى نسائهم، قاله ابن إِسحاق. وروي عنه أنه قال: الذين نَجَوْا مع نوح بنوه الثلاثة، ونساؤهم ثلاث، وستة ممن آمن به.

3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9 | 10